تعريفه :
عرفه
كثير من النقاد بتعريفات مختلفة، ولعل ذلك الاختلاف راجع إلى نقد المقال
كعمل فني داخل في دائرة الأدب ،والمراحلِ الزمنية التي مر بها المقال في
تطوره .
بيد أن أفضل ما عرف به المقال ما يلي :
" فكرة محددة تتناول موضوعاً بالبحث يجمع الكاتب عناصره ويرتبها ويستدل عليها بحيث يؤدي إلى نتيجة معينة ".
بناء على الأسباب التالية :
1- كون هذا التعريف الأسهل تدريساً فتدريباً ثم تقويماً .
2- تناسبه وعناصر بناء المقال ( سوف تذكر بعد ) .
3- إتاحته تعريفاً مستقلاً للخاطرة عن المقال لا سيما وأن الخاطرة أفردت في مقرر الإنشاء كمهارة مستقلة .
4- مسايرته نوعي الكتابة الأدبية والعلمية ؛ لذا نجد الدكتور محمد صالح
الشنطي في كتابه " فن التحرير العربي " أدرج المقالة تحت عنوان "بين
الإبداعي والوظيفي" .
أجزاء المقال(عناصر بنائه) :
1.المقدمة : لتهيئة الأذهان ، وتكون موجزة ومركزة ومشوقة ، وتشكل مدخلاً له صلة وثيقة بموضوع المقال .
2.العرض : وهو
صلب المقال ، ويكون في عدة فقرات كل فقرة تتناول فكرة جزئية معينة ، وتكون
الأفكار متسلسلة ومترابطة بحيث يستدل عليها بالأدلة النقلية والعقلية
المناسبة ، على أن يغلفها الكاتب بانطباعاته الشخصية ووجهة نظره الخاصة .3.الخاتمة : وهي
ثمرة المقال ونهايتها ، فلا بد من أن تكون نتيجة طبيعية للمقدمة والعرض ،
واضحة ، صريحة ، ملخصة للعناصر الرئيسة المراد إثباتها ، حازمة تدل على
اقتناع ويقين ، لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقال .
موضوعاته :
تكتسب المقال موضوعاتها بحسب طبيعة فكرتها ؛ فهناك الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي...
أقسامه :
ليس للمقال أقسام محددة متفق عليها عند الباحثين والمهتمين بها ؛ فمنهم من
يقسمه إلى : ذاتي وموضوعي ، ومنهم من يقسمه إلى صحفي وغير صحفي .وسوف
يتمركز حديثنا حول التقسيم الأول :
المقال الذاتي :
ويتميز بالآتي :
1-ظهور شخصية الكاتب .
2-تدفق عاطفته .
3-الإيقاع الموسيقي .
4-التصوير الخيالي .
ومن أنواعه:
أولاً : مقال الصورة الشخصية : وهو يعبر عن تجارب الكاتب الذاتية وانطباعاته ومشاهداته الخاصة .
ثانياً : المقال الاجتماعي : ويهدف إلى نقد المجتمع وما يظهر فيه من عادات دخيلة.
ثالثاً : المقال الوصفي : وغايته تصوير الطبيعة كما تنعكس في وجدان الكاتب .
رابعاً : المقال التأملي : وموضوعه خطرات النفس الإنسانية ومشكلات الحياة والكون .
خامساً : مقال السيرة : وموضوعه رسم صورة حية لأي شخصية إنسانية .
المقال الموضوعي :
وفيه تختفي شخصية الكاتب ويبرز الموضوع ويلتزم فيه كاتبه بالمنهج العلمي .
ومن أنواعه : المقال العلمي ، والتاريخي، والنقدي، والسياسي ، والفلسفي ، والاقتصادي …
طريقة كتابة المقال :
1.اختيار موضوع المقال : وعلى الكاتب أن يختار موضوعاً يعرف عنه قدراً كافياً من المعلومات ، وأن يكون الموضوع مقبولاً من جانب القراء الذين يكتب لهم .
2.تحديد الهدف من المقال :
وهذا مرتبط بالظروف التي أملت على الكاتب اختيار موضوعه . فقد يكون الهدف
توضيح مقولة ما ، أو تزويد القارئ بمعلومات معينة حول مكان أو فكرة أو
مسألة خلافية أو كشفاً عن حقيقة غائبة.
3.اختيار العنوان : وله
أهمية كبرى ؛ فهو المنفذ الذي تقع عليه عين القارئ ليتعرف على مضمون
المقال . ومن ناحية أخرى يساعد على تحديد موضوع المقال . لذا ينبغي أن
يكون العنوان محدداً ، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يكون الهدف واضحاً في ذهن
الكاتب . وكلما كان الموضوع طويلاً كلما وجب التدبر لاختيار العنوان .4.التصور النظري :
ويعني ذلك رسم المعالم الرئيسة وترتيبها في الذهن قبل المباشرة في الكتابة
وفق خطة مدروسة تساعد الكاتب على تكثيف جهده وتركيزه في طرح منظم مؤثر .
5.خطوات التنفيذ : ويقوم الكاتب ببسط أفكاره في ضوء الأجزاء المذكورة سابقاً .
نموذج للمقال الاجتماعي :
( للمنفلوطي تحت عنوان "قتيلة الجوع")
" قرأت في بعض الصحف منذ أيام أن رجال الشرطة عثروا بجثة امرأة في جبل
المقطم فظنوها قتيلة أو منتحرة حتى حضر الطبيب ففحص أمرها وقرر أنها ماتت
جوعاً .
تلك أول مرة أسمع فيها بمثل هذه الميتة الشنعاء في مصر، وهذا
أول يوم سجلت فيه يد الدهر في جريدة مصائبنا ورزاياها هذا الشقاء الجديد .
لم تمت هذه المسكينة في مغارة منقطعة أو بيداء مجهل ؛ فنفزع في أمرها إلى
قضاء الله وقدره كما نفعل في جميع حوادث الكون التي لا حول لنا فيها ولا
حيلة ، بل ماتت بين سمع الناس وبصرهم ، وفي ملتقى غاديهم برائحهم ، ولا بد
أنها مرت قبل موتها بكثير من المنازل تطرقها فلم تجد من يمد إليها يده
بلقمة واحدة تسد بها جوعتها ، فما أقسى قلب الإنسان ، وما أبعد الرحمة من
فؤاده ، وما أقدره على الوقوف موقف الثبات والصبر أمام مشاهد البؤس ومواقف
الشقاء .
لم ذهبت البائسة المسكينة إلى جبل المقطم في ساعتها الأخيرة
؟ لعلها ظنت أن الصخر ألين من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها ، أو أن
الوحش أقرب منه رحمة فجاءته تستجديه فضلة طعامه …"
نموذج للمقال الوصفي :
(الرافعي تحت عنوان " موت أم ")
"رجعت من الجنازة بعد أن غبرت قدمي ساعة في الطريق التي ترابها تراب وأشعة
. وكانت في النعش لؤلؤة آدمية محطمة ، هي زوجة صديق طحطحتها الأمراض ،
ففرقته بن علل الموت . وكان قلبها يحييها ، فأخذ يهلكها حتى دنا أن يقضى
عليها ، وحمها الله فقضى فيها قضاءه . ومن ذا الذي مات له مريض بالقلب ولم
يره من قلبه في علة ، كالعصفورة التي تهتلك تحت عيني ثعبان سلط عليها سموم
عينيه.
كانت المسكينة في الهامسة والعشرين من سنها ، أما في قلبها ففي الثمانين ، أو يفوق ذلك . هي في سن الشباب وهو متهدم في سن الموت.
وكانت فاضلة تقية صالحة ، لم تتعلم ولكن علمتها التقوى الفضيلة ، وأكمل
النساء عندي ليست هي التي ملأت عينيها من الكتب . فهي تنظر إلى الحياة
نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل ، ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين
متلألئة بنور الإيمان ، تقرأ في كل شيء معناه السماوي ، فتؤمن بأحزانها
وأفراحها معاً ، وتأخذ ما تعطي من يد خالقها رحمة معروفة ، أو رحمة مجهولة
، وهذه عندي امرأة … وتكون الزوجة ، ومعناها القوة المسعدة . وتصير الأم
ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها".
نموذج أخير للمقال :
( أحمد حسن الزيات تحت عنوان " الإسلام دين القوة ")
"الإسلام دين القوة . وهل في ذلك شك ؟ شارعه هو الجبار ذو القوة المتين ،
ومبلغه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه محمد الصبار ذو العزيمة الأمين
، وكتابه هو القرآن الذي تحدى كل لسان وأعجز، ولسانه هو العربي الذي أخرس
كل لسان وأبان ، وقواده الخالديون هم الذين أخضعوا لسيوفهم رقاب كسرى
وقيصر ، وخلفاؤه العمريون هم الذين رفعوا عروشهم على نواصي الشرق والغرب .
فمن لم يكن قوي البأس ، قوي النفس ، قوي الإرادة ،قوي العدة كان مسلماً من
غير إسلام ، وعربياً من غير عروبة .
الإسلام قوة في الرأس ، وقوة في اللسان ، وقوة في اليد، وقوة في الروح.
هو قوة في الرأس ؛ لأنه يفرض على العقل توحيد الله بالحجة ، وتصحيح الشرع بالدليل ، وتوسيع النص بالرأي ، وتعميق الإيمان بالتفكر .
وهو قوة في اللسان ؛ لأن البلاغة هي معجزته وأداته . والبلاغة قوة في الفكرة، وقوة في العاطفة ، وقوة في العبارة .
وهو قوة في اليد ؛ لأن موحيه ـ وهو الحكيم الخبيرـ قد علم أن العقل
بسلطانه واللسان ببيانه لا يغنيان عن الحق شيئاً إذا أظلم الحس، وتحكمت
النفس ، وعميت البصيرة. فجعل من قوة العضل ذائداً عن كلمته ، وداعياً إلى
حقه ، ومنفذاً لحكمه ، ومؤيداً لشرعه . كتب على المسلمين القتال في سبيل
دنيهم ودينه ، وفرض عليهم إعداد العدة والخيل إرهاباً لعدوهم وعدوه ،
وأمرهم أن يقابلوا اعتداء المعتدين بمثله . ولكن القوة التي يأمر بها
الإسلام هي قوة الحكمة والرحمة والعدل ، لا قوة السفه والقسوة أو الجور ،
فهي قوة فيها قوتان قوة تهاجم البغي والعدوان في الناس، وقوة تدافع الأثرة
والطغيان في النفس.
والإسلام بعد ذلك قوة في الروح ؛ لأنه يمحص جوهرها بالصيام والارتياض والتأمل.
منقووول